التحقيقات

الألعاب الإلكترونية خطر يهدد مجتمعاتنا وابناءنا

مع التقدم التقني الهائل والمتسارع في هذا العصر تطورت أساليب اللعب والترفية في الوقت الحاضر، فظهرت الأجهزة والألعاب الالكترونية التي وجدت لها سوقاً رائجاً، نظراً لما تتمتع به من إقبال من قبل الأطفال والشباب، وأصبحت تأخذ حيزاً كبيراً من أوقاتهم وأثرت في سلوكهم وأخلاقهم، فتدرجت أشكال هذه الألعاب وتطورت بشكل كبير وواضح، حتى وصلت إلى حد من التقدم التقني الباهر.

ومن أكثر الألعاب شيوعاً في هذا العصر، ما يعرف بالألعاب الالكترونية وتسمى أحياناً ألعاب الفيديو أو العاب الحاسب الآلي، وكلها تجتمع في عرض أحداث على الشاشة، وتمكين اللاعب من التحكم في مجريات هذه الأحداث فيما يعرف بالعلاقة التفاعلية، وقد أدى هذا النوع من الألعاب إلى مخاطر عديدة تؤثر على مجتمعاتنا وابناءنا  .

دلالات علمية

قاد إدراك مخاطر إدمان الألعاب الإلكترونية بعض الدول والجهات إلى اتخاذ تدابير لحماية مواطنيها، ففي كوريا الجنوبية، أصدرت الحكومة قانونا يحظر وصول الأطفال دون سن ١٦ عاما إلى الألعاب عبر الإنترنت بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحاً، وفي اليابان يُنبه اللاعبون إذا كانوا يقضون أكثر من مقدار معين من الوقت كل شهر في ممارسة الألعاب، ويطلب نظام مكافحة الإدمان في الصين من اللاعبين استخدام أسمائهم الحقيقية ورقم هوية صادر عن الحكومة للعب على الإنترنت وإخراجهم من اللعبة عند انتهاء الوقت المخصص لهم ٣ ساعات أسبوعياً لمن هم دون الـ ١٨ سنة، وهناك وعود بمراقبة أكثر صرامة، وتختبر شركة Tencent، أكبر شركة لألعاب الفيديو في الصين برامج التعرف على الوجه لضمان عدم تمكن اللاعبين المحترفين من استخدام أوراق اعتماد الآخرين، وبعد الإعلان عن القواعد الجديدة تراجعت أسهم Tencent و NetEase المنافسة قليلا، وقد تكون العواقب أكثر إيلاما على المدى الطويل .

واتجهت بعض الدول إلى افتتاح عيادات ومراكز طبية متخصصة تهدف إلى تقديم الدعم والعلاج للأفراد الذين يواجهون صعوبات في التحكم في استخدامهم للألعاب الإلكترونية، والذين قد يعانون من تأثيرات سلبية في صحتهم النفسية والاجتماعية والجسدية بسبب هذا الإدمان، وكانت البداية في عام ٢٠٠٦ حين أعلن مركز علاج الإدمان في هولندا استقباله الأطفال والمراهقين الذين تظهر عليهم أعراض إدمان ألعاب الفيديو.

مخاطر نفسية

بدايتاً أوضحت الاخصائية النفسية في مركز شعاع الأمل شذى الحنيني  أن الألعاب الألكترونية تتعدى مخاطر حدود لايمكن إدراكها وملاحظتها، وخطرها يصل إلى أعمق نقطة نفسية لدى اللاعب، وتتمثل مخاطرها أولاً بتوجيه اللاعب وخاصة صغار السن إلى  العنف  ما إذا وصل حبهم لها حد الهوس والإدمان على ممارستها، كما أنها ترسخ  فاللاعبين العديد من الأفكار والسلوكيات، وقد يصل الأمر إلى العزلة والوحدة والتوحد، ومهاجمة الغير دون سبب، والاكتئاب، والسلوك الإدمانى المفرط، وتجريد اللاعبين من إنسانيتهم.

مخاطر جسدية عميقة

وأشار الدكتور ، وليد سلامة طبيب عام في مستشفى الولادة  أن إدمان الألعاب الإلكترونية يمكن  يؤدي إلى الضعف العصبي حيث يكون الدماغ النامي لدى الأطفال والمراهقين أكثر عرضة للمحفزات التي توفرها الألعاب الإلكترونية، كما يلجأ البعض إلى جعلها وسيلة للتعامل مع التوتر أو القلق أو التحديات الاجتماعية، مما يؤدي إلى تفاقم خطر الإدمان، وأكد أن جلسات الألعاب المطولة تؤدي إلى عجز في الانتباه والذاكرة ومهارات اتخاذ القرار لدى اللاعبين وكذلك  يؤدي الإفراط في اللعب في كثير من الأحيان إلى الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية في الحياة الواقعية، مما وأيضاً تزيد من  خطر السمنة ومشكلات العضلات والعظام واضطرابات النوم لدى الشباب .

ايجابيات محدوة

وأوضحت الاخصائية الاجتماعية ريئام الشهري في جميعة اطمئن، أن الألعاب الالكترونية قد يكون لها بعض الايجابيات في حال استخدامها بحدود ومنها؛ الالعاب المليئة بالحركة التي تسهم في تحسن قدرات اللاعب  الحركية والإبصارية،  ومن أهم الإيجابيات أيضاً من الناحية التربوية  في مجال التعليم عندما تحل  محل الألعاب التقليدية والشعبية، يكون  تأثيرها على إثراء بيئات التعلم التعليمية ايجابي ، وأضافت أنه من الممكن الاستفادة من هذه الألعاب في تطوير مهارات التعاون والعمل الجماعي بين الطلاب عند دمجها مع أنشطة تفاعلية، مما يعزز من التجربة التربوية ويحول التعلم إلى عملية ممتعة وديناميكية، كما أشارت إلى أن تكامل الألعاب الإلكترونية ضمن المناهج التعليمية يساعد في إعداد الطلاب لعصر التكنولوجيا، وينمي لديهم مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في العصر الرقمي.

وأكدت الشهري على أن التوازن هو الأساس؛ إذ أن الاستخدام المُعتدل لهذه الألعاب يمكن أن يُحدث فرقًا إيجابيًا ملحوظًا في تعزيز القدرات الذهنية والحركية، بينما الإفراط فيها قد يؤدي إلى تقليل التفاعل الواقعي وتعزيز الاعتماد المفرط على التقنيات، وبالتالي، فإن التوجيه الصحيح من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية يُعد المفتاح للاستفادة القصوى من هذه الوسيلة التكنولوجية بما يخدم الأهداف التعليمية والتربوية والمجتمعية  دون الإخلال بالجوانب الاجتماعية والصحية .

حلول مجدية

وأوضح  المستشار التربوي عبداللطيف الحمادي أن هناك حلول وخطوان يمكن اتباعها للمحافظة على صحة اللاعبين النفسية والجسدية من الألعاب الإلكترونية،  عن طريق تحديد وقت معين على الألعاب و على أي وسيلة تكنولوجية،  وأضاف أن تنظيم جدول زمني واضح يضمن تخصيص فترات للترفيه الرقمي وفترات للنشاط البدني والتفاعل الاجتماعي الواقعي يُعد من أهم الخطوات لتحقيق التوازن المطلوب.

وأكد الحمادي على ضرورة إشراك الأسرة والمؤسسات التعليمية في هذا الإطار من خلال وضع قواعد منزلية ومدرسية تُحفز على الابتعاد المؤقت عن الشاشات، واستغلال الوقت في ممارسة الرياضة أو الأنشطة الإبداعية.

 كما لفت إلى أهمية التوعية المستمرة حول مخاطر الإفراط في استخدام التكنولوجيا، وتقديم بدائل ترفيهية قائمة على التفاعل المجتمعي والتعلم العملي، مما يساهم في تطوير مهارات اللاعبين العقلية والحركية بشكل متوازن .

في الختام، تُعدُّ الألعاب الإلكترونية ظاهرة معاصرة ذات تأثيرات متباينة؛ فهي تحمل في طياتها إمكانات كبيرة لتطوير المهارات الحركية والإبصارية وتقديم فرص تعليمية تفاعلية تثري بيئات التعلم، إلا أنها تُصاحبها أيضًا مخاطر نفسية وجسدية خطيرة عند استخدامها بشكل مفرط، وقد دفع هذا الواقع العديد من الدول والمنظمات إلى اتخاذ إجراءات وقائية وتنظيمية صارمة لضبط استخدامها، ما يؤكد أهمية التوازن والاعتدال في التعامل مع هذه التكنولوجيا .

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.